
الطاقة من حيث لا تتوقع: الكيمياء الكهروكيميائية في خدمة البيئة
. مازن إسماعيل محمد
في خضم التحوّل العالمي نحو الطاقة المستدامة، تبرز تقنيات مبتكرة تعيد صياغة العلاقة بين التلوث والطاقة، ومن بينها تحلل اليوريا الكهروكيميائي، الذي يُنظر إليه ليس فقط كأداة لإنتاج الهيدروجين النظيف، بل كمفهوم جوهري لتحويل النفايات إلى مصدر للطاقة.
على عكس تحليل الماء الذي يتطلب جهدًا كهربائيًا عاليًا يبلغ نحو 1.23 فولت، يكتفي تحلل اليوريا الكهروكيميائي بجهد منخفض يصل إلى 0.37 فولت، ما يُترجم إلى انخفاض كبير في استهلاك الطاقة وجعل هذه التقنية أكثر جدوى في البيئات ذات الموارد المحدودة. يتم التفاعل داخل خلايا كهروكيميائية تحتوي على محفزات معدنية، غالبًا من النيكل، حيث تُفكك جزيئات اليوريا وتتحوّل إلى غازي النيتروجين وثاني أكسيد الكربون مع إنتاج الهيدروجين.
هذا التفاعل البسيط ظاهريًا يفتح آفاقًا واسعة لتكامل الطاقة والاستدامة، إذ يمكن توظيفه في محطات معالجة مياه الصرف لتقليل ملوثات النيتروجين، وفي الوقت ذاته إنتاج وقود نظيف. كما تتيح التقنية إنشاء وحدات إنتاج هيدروجين لامركزية في المناطق الريفية، أو ربطها بمصادر الطاقة المتجددة لتخزين الكهرباء الفائضة على هيئة وقود. حتى الصناعات الغذائية والدوائية، التي تنتج نفايات غنية باليوريا، يمكنها تحويل عبئها البيئي إلى فرصة اقتصادية.
من الناحية البيئية، تساعد التقنية على خفض التلوث النيتروجيني في المسطحات المائية، وتقلل من الانبعاثات الكربونية غير المباشرة الناتجة عن إنتاج الكهرباء، وتسهم في تعزيز الاقتصاد الدائري. غير أن التحديات ما تزال قائمة، مثل ضرورة إدارة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والتعامل مع النواتج الوسيطة السامة كالأمونيا الحرة أو السيانات، بالإضافة إلى الحاجة لتصميم أنظمة كفؤة في استهلاك المياه والمعادن.
رغم ذلك، تمثل هذه التقنية فرصة واقعية لإحداث فرق ملموس، لا سيما في المجتمعات التي تبحث عن حلول متكاملة لمشكلات المياه والطاقة والبيئة. وبينما تتجه الأنظار نحو مصادر طاقة خضراء، تضع هذه التقنية نفسها كجسر عملي وفعّال نحو مستقبل نظيف ومتجدد، حيث تتحول النفايات إلى مصادر قيمة، وتغدو الاستدامة أكثر من مجرد شعار.