
الهيدروجين الأخضر… كيمياء المستقبل تبدأ بالمحفزات
د. مازن إسماعيل محمد
تحفيز الهيدروجين الأخضر بين النانو والنيكل، سباق نحو كفاءة أن يتّجه بسرعة نحو التخلص من الكربون، تتقدم تقنيات إنتاج الهيدروجين الأخضر كأحد أعمدة التحول الطاقي، خاصة مع تنامي استخدام المحفزات المتطورة لتحقيق هذا الهدف. ويبرز هنا دور محفزات النيكل والكوبالت، إلى جانب ثورة في تقنيات النانو، بوصفها أدوات محورية لتعزيز كفاءة التحليل الكهربائي وتقليل الكُلفة البيئية والاقتصادية.
محفزات النيكل والكوبالت، التي تُصنف ضمن المعادن الانتقالية، باتت تحظى باهتمام واسع نظرًا لانخفاض كلفتها مقارنة بالبلاتين والإيريديوم. هذه المحفزات أثبتت أداءً جيدًا خصوصًا في أنظمة التحليل الكهربائي القلوي، إذ تزداد كفاءتها عند تحسين بنيتها السطحية أو مزجها مع عناصر أخرى. وكونها أكثر وفرة في الطبيعة، فإنها تُمثّل خيارًا مناسبًا لمشاريع إنتاج الهيدروجين على نطاق واسع، خاصة في البيئات التي تُراعي معايير الاستدامة.
من جهة أخرى، تفتح المحفزات النانوية آفاقًا غير مسبوقة في مجال الطاقة النظيفة. فالاعتماد على جسيمات معدنية نانوية، أو حتى مواد كربونية مثل الجرافين، يوفّر مساحة سطحية عالية للنشاط التحفيزي، ما يُترجم إلى تحسين ملحوظ في الأداء وتقليل استهلاك الطاقة. ويُعزّز هذا التوجه وجود تقنيات تصنيع متقدمة كالتوليف الحراري والترسيب الكيميائي والطباعة النانوية، التي تمكّن الباحثين من تخصيص المحفزات وفقًا للتطبيق المستهدف.
وتتنوع التطبيقات العملية لهذه المحفزات، إذ تستخدم في تسريع التحليل الكهربائي للماء، وفي تحويل الميثان إلى هيدروجين وكربون صلب، إلى جانب استخدامها في التحفيز الضوئي المباشر بالاعتماد على الطاقة الشمسية. بل إن دورها يمتد أيضًا إلى تحسين أداء خلايا الوقود الهيدروجينية عبر تقليل الاعتماد على معادن نادرة. وتشير الدراسات الحديثة إلى نجاح محفزات نانوية تعتمد على الكربون المشبع بعناصر مثل النيتروجين والفوسفور في تقليل تكوّن الكربون، مما يُطيل عمر المحفز ويحافظ على كفاءته.
أما على صعيد التطورات التقنية، فيشهد التحليل الكهربائي تقدمًا ملحوظًا، بدءًا من تحسين خلايا التحليل القلوية واستخدام مياه البحر بشكل مباشر، وصولًا إلى تبنّي التحليل الكهربائي بدرجات حرارة عالية (SOEC) بكفاءة تصل إلى 90%. وتتسارع الجهود لربط هذه المنظومات بمصادر الطاقة المتجددة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، بما يتيح تخزين الفائض على هيئة هيدروجين لاستخدامه لاحقًا.
وفي المقابل، تتطور تقنيات التحلل الحراري نحو إنتاج هيدروجين منخفض الكربون من خلال استخدام محفزات نانوية لتحليل الميثان أو الكتلة الحيوية، إضافة إلى تجارب واعدة تعتمد على تركيز أشعة الشمس كمصدر حراري مباشر. هذه الاستراتيجيات تُشكّل نواة لـ”الهيدروجين التركي” – وهو مصطلح يُشير إلى الهيدروجين الناتج دون انبعاثات كربونية.
ختامًا، ومع تسارع سباق الابتكار في إنتاج الهيدروجين، يبقى الرهان على تطوير محفزات أكثر استدامة وأقل تكلفة هو مفتاح المرحلة المقبلة. وبين النيكل والنانو، تتشكل ملامح مستقبل نظيف ينتظر من يستثمره بحكمة وشغف.