مقالات

“الهيدروجين الأخضر: رحلة التخزين من الضغط إلى المستقبل”

د. مازن إسماعيل محمد

في ظل التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، يبرز الهيدروجين الأخضر كأحد الحلول الواعدة لتحقيق الحياد الكربوني، خاصة في القطاعات التي يصعب فيها خفض الانبعاثات مثل الصناعة الثقيلة والنقل الجوي. ورغم التقدم في تقنيات إنتاج الهيدروجين الأخضر، فإن تحديات تخزينه ونقله بكفاءة وأمان لا تزال تشكل عقبة أمام انتشاره الواسع، مما يستدعي دراسة دقيقة للاستراتيجيات المتاحة ومقارنتها من حيث الأمان والكلفة والاستدامة.

من بين أكثر الطرق شيوعًا لتخزين الهيدروجين، تأتي تقنية الضغط، حيث يُضغط الهيدروجين الغازي في خزانات خاصة تصل إلى 700 بار. هذه الطريقة تتميز بسهولة التطبيق وملاءمتها للنقل البري، إلا أنها تتطلب طاقة عالية للضغط، وتواجه تحديات تتعلق بالأمان في حال حدوث تسرب أو فشل في الخزان. من ناحية الاستدامة، تُعد هذه التقنية جيدة نسبيًا، خاصة عند استخدام مواد خفيفة قابلة لإعادة التدوير في تصنيع الخزانات.

أما الهيدروجين السائل، فيُحول إلى حالته السائلة عبر التبريد إلى درجة حرارة منخفضة جدًا تصل إلى -253 درجة مئوية، مما يزيد كثافته ويقلل حجم التخزين. هذه الطريقة توفر كثافة طاقة أعلى وتُستخدم في النقل لمسافات طويلة مثل الطيران والشحن البحري، لكنها تتطلب طاقة كبيرة للتبريد، وتواجه مشكلة فقدان تدريجي للهيدروجين بسبب التبخر، إلى جانب تحديات في العزل الحراري. ورغم أن كفاءتها الطاقية أقل من غيرها، إلا أن استخدامها لمصادر طاقة متجددة قد يعزز من استدامتها.

تُعد الهيدريدات المعدنية من الخيارات الواعدة لتخزين الهيدروجين، حيث تُخزن ذرات الهيدروجين داخل شبكات معدنية أو سبائك ترتبط بها كيميائيًا وتُطلق عند الحاجة. هذه الطريقة توفر مستوى أمان عالي، ولا تحتاج إلى ضغط أو تبريد، كما أن كثافة التخزين فيها جيدة في بعض المواد. إلا أن استخدامها يواجه تحديات تتعلق بوزن المواد، وبطء في عمليات الشحن والتفريغ، إضافة إلى ارتفاع تكلفة المواد الأولية مثل الليثيوم أو المغنيسيوم. ومع ذلك، فإن تطوير مواد منخفضة التكلفة وقابلة لإعادة الاستخدام قد يجعل هذه التقنية أكثر استدامة في المستقبل.

عند المقارنة بين هذه الاستراتيجيات، يتضح أن كل منها يحمل مزايا وعيوبًا تختلف حسب طبيعة الاستخدام. فالهيدروجين المضغوط يناسب السيارات والتخزين المؤقت، بينما يُستخدم الهيدروجين السائل في الطيران والنقل البحري، وتُفضل الهيدريدات المعدنية في التطبيقات الثابتة التي تتطلب أمانًا عاليًا. من حيث الأمان، تتفوق الهيدريدات المعدنية، بينما تتوسط تقنية الضغط، وتبقى تقنيةمانًا. أما من حيث الكلفة، فتُعد تقنية الضغط الأكثر توازنًا، في حين ترتفع كلفة التسييل والهيدريدات المعدنية. وفي ما يتعلق بالاستدامة، فإن الهيدريدات المعدنية تحمل وعودًا مستقبلية، بينما توفر التقنيات الأخرى مستويات متفاوتة من الكفاءة البيئية.

يمثل الهيدروجين الأخضر خطوة استراتيجية نحو مستقبل منخفض الكربون، لكن نجاحه لا يعتمد فقط على إنتاجه النظيف، بل على تطوير منظومة متكاملة لتخزينه ونقله بأمان وكفاءة. وبين الخيارات المتاحة، تتفاوت الحلول في ملاءمتها حسب طبيعة الاستخدام، من النقل البري إلى الصناعات الثقيلة. ومع استمرار البحث والتطوير، تلوح في الأفق تقنيات أكثر استدامة، قد تجعل من الهيدروجين الأخضر ركيزة أساسية في منظومة الطاقة العالمية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى