نورة

بقلم : نورة فلاح
ولدتُ في عائلة أنا الأبنة و الحفيدة الأولى بها ، خرجت للدنيا قبل أن أكمل شهري التاسع لأمكثّ في قسم رعاية الخُدج ” الحضانة ” قرابةً الشهرين
ربما هذا الأمر كان سبب في تعلق عائلتي بي ، كانت جدتي تزورني بشكل يومي برفقة والداي ، كنت فرحة العائلة الأولى .
أمضيتُ طفولتي مُدللة وسط فرحة الجميع بقدوم الحفيدة الأولى ، أتذكر خالي عندما كان يحملني على ظهرِة في محاولة لإسكاتي عندماأبكي و أتذكر خالتي عندما قامت بإحضار ماعز صغيرة و وضعت الحناء لها في محاولة لإقناعي بوضعه لأستسلم نهاية الأمر
أتذكر بداية دخولي للمدرسة و أمي تُمسّك بيدي و هي تسألني عن لون الشجرة في محاولة منها لإختباري لتأتي إجابتي المضحكة ” أحمر ” و اتذكر والدي و هو يصطحبني معه في كل مشوارٍ يقصدُه حتى أنني في أحد المرات ذهبت برفقته و عندما دخل وقت الصلاة اصطحبني معهُ للمسجد و أشار لي بأن أجلس و أنتظره لأستغل فترة الصلاة و أخرج إلى الشارع و لولا لطف الله و أنه لحق بي في الوقت المناسِب لكنتُ الآن في عداد المفقودين !
أتذكرُ خالي رحمه الله عندما كان يأتي و يُمضي معنا الكثير من الوقت برفقة عائلته و عندما يقرر الذهاب كنت أجلس في زاوية و أبكي طويلاً ليعود مرة أخرى ، كان يعود من أجلي مؤجلاً الذهاب و يالسعادتي حينها
كانت الأحلام بسيطة و كان يكفي أن أرسمها على صفحات دفتري و أسعد بتأملها ، مضت الأيام سريعة حتى كبُرتّ و أصبحت مسؤولة ، لم أعد تلك الطفلة المدللة التي يخشى الجميع بكاؤها حتى أنني أصبحتُ لا أبكي أو ربما أبكي خِفيةً دون أن يراني أحد !
أول مرة شعرت فيها أني كبرت كثيراً عندما تركتُ عائلتي و أنتقلت لمدينة أخرى لا أعرف فيها أحدا ، مدينة خالية من أمي و أبي ، إزعاجُ إخوتي ، وصوت ُأخواتي ، كان كل شيء في تلك المدينة مُختلف و لايشبهني بشيء !
ثم شعرت أني كبُرت أكثر عندما علمت بإصابتي بمرض مزمن كان هذا الأمر صدمة و إختبار ، عائلتي معي يبذلون مابوسعهم ، أرى حُزنهم و أحاول جاهدةً أن أناضل !
توالت الإختبارات و دارت عجلة الأيام لتُعلم تلك الطفلة المدللة أن الأيام لاتتشابه و أن الطفولة لن تعود حتى يواسيها الجميع بلعبة أوحتى قطعة حلوى !
الغربة و المرض و الخذلان أعادتّ بنائي من جديد علمتني كيف أنقذُ نفسي حين أقع في مأزق دون إنتظار أن ينقذني أحدهم والكم الهائل من أوراق دخول المستشفى و العمليات التي كنت أرفض أنّ يوقعها غيري جعلتني أقوى ، علمني الخذلان كيف أتخلى عمّن لايستحق و أمضي !
كبُرت وبقيت ملامح الطفولة التي تظهر في انفعالاتي و عنادي عندما لا يقنعني أمر ما ، تعلقي بأبسط أشيائي و خوفي من فقدانها، حساسيتي و بكائي التي لم تكن مزعجة في طفولتي و لكنها أصبحت كذلك الآن !
وبالرغم من ملامح الطفولة المتبقيه والتي ربما لايعرفها إلا أولئك القريبون مني جداً كبرت و أصبح بمقدوري تحمل مسؤولية الكثير منالأموردون خوف .
” كنتُ طفلة ترسمُ أحلامها بألوان جميلة على صفحاتّ دفترها كبُرتّ و علمتّ أنّ الأحلام ليست رسمة جميلة أتأملها فقط ، و أنّ براءةً الأطفال و بسّاطتهم أمر لن يتكرر ! ”