
“الهيدروجين الأخضر: خطوة ذكية نحو تنمية مستدامة”
د. مازن إسماعيل محمد
في ظل التحديات المناخية المتسارعة، يتجه العالم نحو حلول طاقة نظيفة ومستدامة، ويبرز الهيدروجين الأخضر كأحد أبرز البدائل الواعدة. يتم إنتاج هذا النوع من الهيدروجين عبر التحليل الكهربائي للماء باستخدام مصادر طاقة متجددة، مثل الشمس والرياح، مما يجعله خاليًا من الانبعاثات الكربونية تقريبًا. لكن السؤال الأهم يبقى: هل يمكن للهيدروجين الأخضر أن يكون حلًا بيئيًا واقتصاديًا واجتماعيًا متكاملًا؟ هذا ما تسعى دراسات الجدوى البيئية والاجتماعية إلى الإجابة عنه.
عند تقييم الهيدروجين الأخضر، لا يكفي النظر إلى مرحلة الإنتاج فقط، بل يجب تحليل دورة الحياة الكاملة، من استخراج المواد الخام إلى الاستخدام النهائي. وتشير الدراسات إلى أن الانبعاثات الناتجة عنه منخفضة جدًا مقارنة بالهيدروجين الرمادي أو الأزرق، خاصة عند استخدام الطاقة الشمسية أو الرياح. كما يسهم في تقليل البصمة الكربونية للقطاعات الصناعية والنقل الثقيل، مما يعزز أثره البيئي الإيجابي. ومع ذلك، تبقى هناك تحديات تتعلق بالنقل والتخزين، تتطلب تطوير بنية تحتية متقدمة لضمان الكفاءة والاستدامة.
ولا يقتصر أثر الهيدروجين الأخضر على الجانب البيئي فقط، بل يحمل في طياته إمكانات اجتماعية واقتصادية كبيرة. إذ يتيح خلق وظائف جديدة في مجالات الهندسة والطاقة المتجددة والبحث والتطوير وصيانة البنية التحتية، كما يدعم المجتمعات الريفية والصحراوية من خلال مشاريع إنتاج الهيدروجين في المناطق ذات الموارد الشمسية العالية، مثل الصحراء المصرية. ويُعد تعزيز العدالة البيئية أحد أبرز مزاياه، حيث يسهم في توفير طاقة نظيفة بأسعار معقولة، ويقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وتُعد دراسات الجدوى البيئية والاجتماعية أداة حاسمة لضمان نجاح مشاريع الهيدروجين الأخضر، إذ تشمل تقييم الأثر البيئي على التنوع الحيوي والمياه الجوفية، وتحليل الأثر الاجتماعي على المجتمعات المحلية، وضمان مشاركتها في اتخاذ القرار. كما تسهم في تصميم سياسات داعمة توازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة، وتضمن استدامة المشروع على المدى الطويل.
الهيدروجين الأخضر ليس مجرد تقنية واعدة، بل هو مسار نحو مستقبل أكثر عدالة واستدامة. ومع التقدم في الدراسات البيئية والاجتماعية، يمكن تحويل هذا الوقود النظيف إلى رافعة تنموية شاملة، تجمع بين حماية الكوكب وتمكين الإنسان. إن الاستثمار في الهيدروجين الأخضر اليوم هو استثمار في الغد، حيث تلتقي الطاقة النظيفة بالتنمية المستدامة في نقطة تحول تاريخية.