الفنون

بدور الحارثي تكتب: لوحة ( خط الحياة )

بقلم: بدور الحارثي

كان لهذه اللوحة سياق تاريخي للرسام الأمريكي “وينسلو هومر” أولاً البحر ثم المنقذين من الغرق.
‏في تلك الفترة كان البحر الهائج وأمواجه العاتية وعواصف المحيط المفاجئة مصدر كوارث ومآسي لاتتوقف كانت السفن الضخمة التي تحمل الاّف المسافرين تقع ضحية لعاصفة عابرة تمزق السفن وتجعل البحر مقبرة لملايين الأرواح البشرية، وهذا العذاب كان حاضراً في خيال الفنانين والأدباء وجسدوها في أعمال لاتحصى وبطريقة درامية لكن هومر تناولها هنا بطريقة مختلفة وفريدة ، وهومر الذي سكن الساحل يعرف جيدًا بأس العاصفة البحرية وأثر الكارثة على الناس .

العامل الثاني: المنقذون من الغرق!
‏كانت وسائل إنقاذ السفن حين الغرق بدائية ضعيفة كان إنقاذ هذه الأعداد الكبيرة وسط عاصفة هائلة مستحيل فلا وسائل ولا تقنيات يمكنها أن أن تنتشل هذه الأجساد وسط الأمواج الهائلة والجبال السائلة، وفي كارثة سفينة اتلانتك سنة 1873م لم ينج سوى 300 شخص من ركاب السفينة الذين ناهزو الأف وليس من بين الناجين أي إمرأة أو طفل سوى طفل واحد من بين قرابة 200 طفل كانو على متن السفينة، اشتعل الرأي الأمريكي عندها وقررت الحكومة بذل جهد استثنائي ، ليولد عندها فريق غريب من الرجال الشجعان أطلق عليه”حبل الحياة” يستخدمون طرق مبتكرة من أهمها ربط حبل يمتد من السفينة الغارقة حتي السفينة المنقذة، وكان هذا الحبل كثيراً ما ينقطع أو يسقط من عليه بفعل الرياح والبحر الغاضب، كان هذا الحبل الصغير وسيلة النجاة الوحيدة وسط منظر الأمواج الهادرة والرياح العاصفة وكان هذا الشخص المنقذ هو حبل الحياة لهولاء الغرقى، ومن هنا تشبع هومر بهذا المعنى ثم أضفى عليه بعداً رومنسياً ليلمح إلى أن الحب هو حبل النجاة وخط الحياة الذي ينقذنا وسط العواصف وينتشلنا من الغرق ويبعثنا إلى الحياة ثم يمجد هولاء الشجعان الذين يغامرون بحياتهم من أجل حياة اشخاص لايعرفونهم.

‏ في اللوحة يبرز اللون الرمادي بين المد والجزر والحبل المتأرجح ،‏وحطام السفينة ولم يرغب هومر في تصوير عملية انقاذ بسيطة -أصبحت معتادة لاحقاً لكنها كانت بطولية وقتها- بل أراد صناعة ملحمة للصمود والنجاة يشتبك فيها الرعب والأمل والخوف، يحتضن الرجل المرأة التي لايعرفها بقوة حتى لاتفلت منه، فيما يغطى وشاحه وجهه الذي أظهرت الأشعة السينية أن هومر رسم وجهاً كاملاً ثم غطاه بقماش اللوحة وكأنه يريد أن يجعل الأمر حقيقاً وهذا ما حدث، فسر هذا الغياب للوجه بأن هذا المنقذ لن تعرفه المرأة ولن يعرفه أحد ولماذا يجب أن يعرف وهو يقوم بعمل إعتيادي بالنسبة له شكل جديد من أشكال الوظائف التي فرضها العصر، تتساقط قطرات البحر على الحبل وعلى الأجساد المعلقة بقطعة حديدية صغيرة تقرر على سيبقون على قيد الحياة أم سيغرقون خلال الثواني القادمة، هذه البكرة الحديدة التي تشبه منظر القلب تحمل شخصين متعانقين وتزحف بهم بصعوبة بالغة وسط الحطام والعاصفة، وهي ذات الشيء الوحيد الذي يمكن أن يحمل شخصين لم يعرفا بعض من قبل وينقذهما من عواصف العالم وقسوة أمواجه وفوضى الحطام الذي تخلفه!

وهناك الكثير من اللمسات التي يمكن الحديث عنها، في الألوان أو الخطوط، كمنظر الحبال المتقطعه التي تتطاير أو الواقعه على سطح البحر والمعاني خلفها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى