الصورة الواقعية للعلاج النفسي

هل العلاج النفسي رفاهية؟
في مراحل الحياة الأولى، بدايةً بفترة الحمل، تقلق الأم وتهتم بصحة طفلها فتزور العيادات بانتظام، لمتابعة نموه وملاحظة تقدم العملية حتى وقت الإنجاب، وبعد الإنجاب نجد الأم ترعى طفلها وتخشى عليه من الجراثيم والميكروبات والأوبئة التي قد تصيب الأطفال، فتحرص تمام الحرص على أن يأخذ طفلها الصغير التطعيمات للوقاية من المرض الذي ترتفع فيه فرصة واحتمالات إصابة الأطفال، وكذلك قبل المدرسة يتم تطعيم الطفل خوفًا عليه من نقل العدوى أو الإصابة بالعدوى من الأطفال الآخرين، والمراحل العمرية القادمة لا تقل أهمية في حرص الأهالي على الصحة الجسدية للطفل والمراهق والشاب وما بعد ذلك من مراحل عمرية، لكن ماذا عن الجانب النفسي؟
ذلك الأمر الحاضر وبقوة في كل إنسان، يتجاهل العديد من الأشخاص أي أعراض قد يتم وصفها بأنها نابعة من النفس، وقد يتساهلون في المشكلات النفسية التي تكون بين الفرد وذاته، ولا يتحركون إلا عندما يلاحظون المشكلات ذات الطابع الظاهر، مثل التي يتضح فيها الضرر للآخرين ك مشكلات العدوان، وفي كثير من الأحيان نجد في العيادات تلك الحالات التي وصلت معناتاها النفسية من الشدة التي تفرض على المختصين وصف العلاج الدوائي لهم بعد أن وصلت الأُسرة أو الشخص ذاته إلى حالة تمنعه من تجاهله لهذه الأعراض إما لعدم القدرة على ضبط جوانب الحياة المختلفة، أو التعامل مع الأعراض التي أصبحت معطلة وبشكل واضح أو مؤثرة على الحياة العملية للشخص.. عندما نذكر العلاج النفسي يتبادر لمعظم الأشخاص بعض الصور والنماذج التي شاهدوها في الأفلام والمسلسلات والحالات التي تم وضعها داخل الطابع الفني الذي بالطبع يبالغ لإدخال المتلقي حيّز المشاركة الوجدانية أو لإشعال المتعة والإمتاع فبتالي يتم تضخيمها بشكل واضح، وفي الحقيقة الواقعية قد تكون أنت عزيزي القارئ في حافلة ويجلس بجانبك شخص مصاب بالمرض النفسي دون أن تلاحظ، قد تتابع كثير من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي ولديهم مُعاناة نفسية، جارك الذي يسكن بجانبك قد يكون مصاب بالمرض النفسي، تتسع المجالات والأمراض النفسية متعددة، فكم لدينا من صديق لديه مخاوف معينة؟ مثل القلق الاجتماعي؟ وإذا خرجنا خارج نطاق المرض النفسي، وإذا اتجهنا ناحية النفس الإنسانية سنجد العديد من الدراسات التي ترينا جوانب مهمة تحتاج للعناية الصحية هي الأخرى، مثل مراحل نمو الإنسان الطبيعية، الطفل مثلا يحتاج لرعاية وملاحظة في نموه المعرفي والانفعالي، والجسدي، واللغوي، والاجتماعي.. وأي عثرات فيها تحتاج لتصحيح أو تدريب سلوكي معين تتفق فيه الأسرة مع معالجها الخاص، بالاستشارة أو القراءة في كتب علم النفس المخصصة للطفولة وقس على ذلك بقية المراحل العمرية الأخرى..
متى احتاج لزيارة العيادة النفسية؟
1- شكوى ذاتية تصدر من الشخص نفسه عن حالة مزاجية معينة أو سلوك معين، أو فكرة معينة، استمرت معه لأسبوعين أو أكثر، لا تكون هذه الشكوى صادرة عن سبب طبيعي..
مثل فقدان شخص قريب، إلا أن كانت الأعراض حادة، واستمرت لفترة طويلة.
2- شكوى صادرة من الأشخاص المحيطين بك عن تغير واضح لاحظوه عليك.
3- شكوى بخصوص الأداء تقل جودة الأداء في العمل مثلًا أو يتوقف الفرد بشكل واضح عن تنفيذ واجباته.
4- بعض الأعراض التي قد تكون مؤشرات لضرورة زيارة العيادة النفسية (فقدان الشهية، فقدان الوزن السريع، زيادة في الوزن بسرعة غير طبيعية في فترة قصيرة، اضطرابات النوم، أفكار اقتحامية (وسواسية) أفكار (انتحارية).
هل زيارتي للعيادة النفسية تعني أني بالضرورة مضطرب؟
زيارة العيادة النفسية ترينا وعيًا أكبر اتجاه الجانب النفسي، وترينا أيضا حرصًا عليه، والكشف المبكر عن المشكلات أو الاضطرابات النفسية، يحمي الشخص من شدة الأعراض، كذلك زيارتك للعيادة قد تطمئنك وتخبرك بأن ما تمر به طبيعي جِدًّا بسبب ظروف معينة محيطة، أو بسبب مرحلة نمو معينة يمر بها الإنسان، زيارتك للعيادة النفسية تحميك من الكثير من الطرق الغير مثبتة عِلْمِيًّا التي يروج بأنها في المجال النفسي وهي ليست كذلك، وهذه الطرق قد تساهم في تأخيرك للوصول في وقت أبكر فبتالي تطول مدة العلاج..
أخيرًا تذكر أن سعيك للعناية بالصحة النفسية يقربك ناحية التوافق الذاتي والاجتماعي اللذان يقودانك للاطمئنان والراحة في جوانب حياتك..
لماذا نخاف من الاعتراف بالمرض النفسي؟
لأننا لا نعرف جيدًا ما المقصود بالعلاج النفسي.. لأن لدينا مفهومًا غريبًا عن الطبيب النفسي، ومفهومًا أغرب عن المرض النفسي، لأننا نشاهد الإعلانات والمجالات الفنية وهي تصور لنا المرض النفسي بطريقة فنية مبالغ بها تجعلنا نزداد حيرة ولا نصل لفهم جيد للمرض النفسي.
إذًا هل العلاج النفسي رفاهية؟
العلاج النفسي ليس أمرًا ترفيهي، إنه حاجة ملحة لكل فرد، وأنا هنا أيضا أُشير لفكرة أكبر وهي تقبلنا بأن لنا نفس تتأثر ونتأثر بوجودها في داخلنا، العلاج النفسي ليس رفاهية، بل حاجة تقربك نحو الاتزان في حياتك، يجعل عقلك صديقك لا عدوك اللدود.. العقل الذي يجعلنا نفكر وندرك وننتبه، نشعر، نتذكر، نتعلم، ننمو، نضحك، نبكي، نفرح، نرقص، نبالغ، نُحْجِم، نُقدِم.. لذا لا يمكننا أن نتجاوز النفس الحاضرة فينا، لأنها جزء منا وليست أمرًا دخيلًا نحاربه.
الكاتبة 🖋: رغد محمد